• الحرية / 1

     

        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2

    مجزوءة الأخلاق /الحرية

     


    1 ـ  الحرية والحتمية 

    2 ـ  الحرية والإرادة

    3 ـ  الحرية والقانون
     

     
    إن الحرية مفهوم يمكن أن يدرك من خلال الخطاب الذي نمارسه بمعان متغايرة. فالحرية بالنسبة للعبد هي أن يكون سيد نفسه، والحرية بالنسبة لبلد محتل تتجلى في جلاء المستعمر. والحرية بالنسبة لشخص تعوله الأسرة تتجلى في اليوم الذي يستطيع فيه تأمين حاجياته بنفسه. إلا أن التفكير الفلسفي دأب في إتيان مقاربات تحاول أن تجد منطلقاتها في تحديد حقيقة الإنسان تارة وفي علاقة الفرد بمجتمعه تارة أخرى، وبالتالي التفكير في طبيعة الحرية ذاتها وفيما إذا كانت فردية أو مؤسساتية. إن هذه الشذرات تستطيع أن تساعدنا على إثارة تفكير فلسفي أولي حول مفهوم الحرية (رفقة ثلة من المفكرين والفلاسفة) من خلال الاستئناس بالتساؤلات التالية : هل تقود الحتمية إلى إقصاء مطلق للحرية؟ ما هي طبيعة العلاقة الموجودة بين الحرية والإرادة؟ هل يمكن اعتبار الامتثال للقانون إقصاء للحرية؟
     
     
     

      1. الحرية والحتمية 

    يؤكد عبد الله العروي، أنه على الرغم من أن التجربة بينت أن بإمكان العلم أن يخدم الحرية أو يلغيها، تعود الناس أن ينظروا إلى نتائجه بتوجس وارتياب: فكلما تقدم العلم، تولد عند الناس هاجس من الخوف يستشعرهم بأن حريتهم أصبحت مهددة. كما بين المفكر أن إشكالية العلاقة بين الحتمية والحرية تمتد جذورها في التاريخ، حيث كانت في القرون الوسطى تندرج ضمن ما يعرف ب"مسألة الجبر والاختيار"، في الوقت الذي تتجه فيه، اليوم، نحو محاولة إيجاد موقع للتصالح بين الوجدان والعلوم الطبيعية.

    ويمكن اعتبار موقف ابن رشد، من المواقف الإسلامية التي تتحرك في إطار مسألة الجبر والاختيار لتتجاوزها. هكذا نجد الفيلسوف، يؤكد، بأن الفعل الإنساني الذي يتجه إلى معرفة أسباب الموجودات الخارجية، نابع من قدرة الإنسان ذاته. ولكن إذا تأملنا أسباب الموجودات نجدها ترجع إلى الخالق. بل إنه سبحانه، من وهب الإنسان القدرة على إتيان الأسباب ومعرفتها. من هذا المنطلق، يبدو أن ابن رشد، يسعى إلى موقعة الفعل الإنساني بين الحرية والحتمية وذلك من خلال التوفيق بين الحرية في الفعل والقدرة الإلهية. إلا أن الفيلسوف يريد أن يناقش، أيضا، بعض التصورات الكلامية التي تلغي العلاقة بين الأسباب والنتائج، لأنه يعتبر هذا الإلغاء قولا سفسطائيا ومبطلا للعلم.

    أما الفيلسوف المعاصر ميرلوبنتي  Merleau-Ponty،   فإنه ينطلق من نقد توجهين : فهو ينتقد، من جهة، الطرح الذي يؤكد أن الحرية لا تكون إلا مطلقة. و ينتقد، من جهة أخرى، الطروحات التي تؤكد أن الوجود البشري قائم على الحتمية فقط، لأنه إما خاضع أسباب موضوعية أو لأسباب داخلية.

    ويرى الفيلسوف، في مقابل ذلك، أن الفعل البشري فعل حر في سيرورته وتحديد غاياته. فالفرد من يختار مراحل فعله بكامل الحرية. إلا أن ذلك، لا يقود مبدئيا إلى تأكيد حرية مطلقة، لأن منطلق الفعل ليس بالضرورة من اختيار الفرد. فقد حدثت عوارض حتمت على الفرد أن يتخذ إزاءها مواقف أو أن ينهج سلوكات. فالمواقف والسلوكات وحدها تعبر عن الحرية، أما أسبابها فهي مفروضة على الذات. وعليه، يتصور ميرلوبنتي الفرد باعتباره بنية سيكولوجية وتاريخية، يتداخل فيها ما هو ذاتي بما هو موضوعي. ومن ثم يمكن اعتبار الإنسان كملتقى لسلسلة من العلاقات ليس من المهم معرفة مصادرها، لأن تلك العلاقات في حد ذاتها تجسد الأهم.

    إن ما عبر عنه الفيلسوفان السابقان يدعو إلى طرح التساؤل عن نوعية العلاقة التي يمكن تكون بين الحرية والإرادة.
     

     

     2.  الحرية والإرادة

    ينطلق كانط من موقف فلسفي أخلاقي يحدد فيه حقيقة الإنسان في وجوده العقلي : فإذا كان الإنسان يتميز بالعقل، فإن هذا الأخير هو الذي يضمن للحرية والإرادة معناهما. بل، إن العقل، هو الذي يضمن للقانون الأخلاقي مصداقيته.. ومن ثمة لا يمكن للإنسان أن يسمو بذاته فوق الأشياء إلا باعتبار النشاط الإنساني مؤسسا على الواجب الأخلاقي، وبالتالي نشاطا يترجم حرية الإنسان ومسؤوليته. لهذا بين كانط، أن كل إنسان يتنازل عن استخدام عقله، يتحتم عليه أن يعيش في ظل وصاية من يقوم بالأشياء بدله، وهكذا يتحول إلى شخص تابع، عديم الإرادة والحرية. وبهذا المعنى، يصبح العقل، في نظر الفيلسوف، مرادفا للحرية والإرادة. ويصبح من يستخدم عقله صاحب إرادة حرة.

    أما سارتر فينطلق، في معالجته لإشكالية العلاقة بين الحرية والإرادة، من الاعتقاد بأن الإرادة سلب للحرية. ولهذا لا يمكن أن تكون الإرادة أساسا للحرية: فالإرادة تقوم على التأمل، ومن ثم، لا تجسد الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تتحقق بها غايات الوجود الإنساني. فنفس الغايات قابلة للتحقق بطريقة انفعالية ووجدانية. فقد يكون فردان أمام خطر ما، فيختار أحدهما الصمود، بينما يختار الآخر الهرب: إن فعل الأول تأملي، أما فعل الثاني فهو انفعالي، لكن الغاية واحدة، وتتمثل في حفظ الحياة. وذلك ما يؤكد أنه ليس للإنسان طبيعة ثابتة، فوجود الإنسان سابق على ماهيته. وما الماهية سوى الاختيار الحر الذي يترجم فيه الفرد مشروعه الذي يتمثله في ذاته. أما الإرادة، فهي مجرد ترجمة للحرية الفردية المطلقة. أو بتعبير آخر: إن الحرية هي أساس الإرادة.

    إذا كانت هذه الأفكار تجسد اختلافا فلسفيا حول قضايا تنسب إلى الذات البشرية؛ فكيف يا ترى ستكون المواقف بالنظر إلى الحرية في علاقتها بالقانون؟ !
     

     

      3.  الحرية والقانون

    تؤكد حنا أرندت  H. Arent  أنه من الصعب تأكيد وجود حرية باطنية وجدانية بعيدا عن الاحتكاك بالواقع. ومن هذا المنطلق، فإن الحرية لا يمكن أن تدرك إلا من خلال الممارسة السياسية؛   لأن من شأن هذه الحرية أن تطبع الفكر والإرادة،   وتمكن الفرد من ترجمة أفكاره عمليا دون محاسبة. علما بأن الحرية لم تكن دائما هي أساس التنظيمات الاجتماعية، فالأسرة والقبيلة مثلا تنظيمان يقومان على القرابة، ويشكلا تآلفا اجتماعيا من أجل البقاء. كما تجسد التنظيمات الاستبدادية الغياب المطلق للحرية. بل يمكن القول، إن الحرية ستتحول إلى إرهاصات داخلية غامضة غير قابلة للبرهنة (مثلا قد تتحول الحرية إلى طموح أو إلى أماني ...الخ).

    وقد حاول بانجمان كونسطان B. Constant،   في وقت سابق، أن يعالج إشكالية الحرية في إطار مبدأي الحق والواجب، من خلال التأكيد على أن الحرية تتجسد في الحق الذي يملكه في عدم الامتثال لشيء آخر غير القانون. هكذا، سيتمكن الفرد من التعبير أفكاره وآرائه، ومن التمتع بممتلكاته دون مساءلة. بل، إن الفرد يضمن لنفسه حرية الاجتماع والتجمع، وأن يصبح فاعلا اجتماعيا وسياسيا..

    إن قراءة سريعة لهذه الأفكار، تبين أن إقرار المفكر بالامتثال للقانون تأكيد في ذات الوقت بحضور الواجب. لأن الحرية التي يكفلها القانون حرية مؤسساتية، تحد من الحرية الفردية إذا كانت تمس بالمصلحة العامة.

    كتخريج لهذا الدرس، يتبين أن إثارة مفهوم الحرية يمكن أن يمتد، من المقاربة الفلسفية التي تحاول أن تعالج الإشكالية من منطلق يرتبط بكينونة الإنسان، لينتهي بمقاربة سياسية واقعية وميدانية. كما أن المقاربة السياسية، ليس من شأنها أن تلغي الأبعاد الأخلاقية للمفهوم. وحري بنا، أن نعرف، أن تفكير عامة الناس لا يستطيع أن يتمثل مفهوم الحرية إلا في المجال الواقعي، وبالتالي السياسي. لذا يتحتم العمل على أن يدرك الناس هذا المفهوم في أبعاده الواقعية وليس في أبعاده المجردة أو الصورية. ومن ثم، لا بد أن تقوم تربية النشء على ممارسة الحرية على مستوى الأسرة والمدرسة، وذلك من خلال إشراكهم في اتخاذ القرارات والتوجهات استشارة وتطبيقا. لأن من شأن ذلك أن يعود الأفراد على ممارسة الحرية في إطار مؤسساتي.   
     

     

     

        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2

     

        الرجوع

  • تعليقات

    1
    الجمعة 30 يناير 2015 في 22:30
    دروس الفلس

    شكراااااااااااا

    ملخصات دروس الفلسفة

    • الإسم / المستخدم:

      البريدالإلكتروني (اختياري)

      موقعك (اختياري)

      تعليق


    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق