• الواجب / 2

     

        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2

    مجزوءة الأخلاق الواجب

    1 ـ  الواجب والإكـراه 

    2 ـ  الوعي الأخــلاقي

    3 ـ  الواجب والمجتمع
       
    من المعلوم أن الإنسان يتميز عن باقي الموجودات بالعقل، مما يدفع إلى تأسيس علاقته بالغير وفق نظم وقواعد ومعايير ومبادئ قيمية أخلاقية. إن ذلك يجعل الناس ينطلقون في معاملتهم للغير من العمل بمقتضى الواجب، وأن يشعروا، بالتالي، أن مقدار الحقوق يساوي مقدار الواجبات: فالإحساس بأهمية الواجب، يعني بالنسبة لكثير من الناس إمكانية حدوث "أزمة ضمير" أو  شعور قوي بالذنب. إن أشباه هذه المماثلات من شأنها أن تدفع إلى طرح الأسئلة التالية: هل الواجب ترجمة للإرادة أم أنه إكراه وإلزام؟ على أية أسس يقوم الوعي الأخلاقي؟ هل الواجب مسألة ضمير أم قضية مجتمع؟
     
     
     

      1.  الواجب والإكراه


     
     
    يعتقد كانط، أن الوعي القائم على الإرادة، ليس في حقيقة الأمر إلا احتراما للقانون الأخلاقي، الذي يعمل حتما على إقصاء تأثير الميول على الإرادة. وعلى هذا الأساس، يمكن التأكيد على أن الواجب يتمثل في الفعل الذي ينبثق من الامتثال للقانون الأخلاقي، ويكون بهذا المعنى إكراها عمليا لأنه يعمل على إلغاء الميول. هكذا، يصبح الوعي الذي ينتج عن هذا الإلزام لا يتجه إلى تحقيق لذة، بل، إنه بالعكس، يحمل في ذاته على ألما. من هذا المنطلق، يطالب الواجب باحترام للقانون الأخلاقي الذي يعتبر الشكل الوحيد الموجه للإرادة. ومن ثمة، تكون الضرورة الأخلاقية قائمة على الإلزام والإكراه.

    إن فهم التمثلات الكانطية، تنطلق من تصوره لحقيقة الإنسان في وجوده الأخلاقي، وهكذا يصبح خضوع الفرد للواجب الأخلاقي فيه احترام لكينونته. هكذا يصير الواجب الأخلاقي واجبا مطلقا.

    وعلى خلاف التصور السابق، نجد دفيد هيوم  Hume  يميز بين نوعين من الواجبات الأخلاقية: واجبات فطرية غريزية، وأخرى وضعية تعاقدية. وتتميز الأولى بأنها عفوية وتلقائية (حب الأطفال، الرأفة بالمحتاجين...).

    أما الواجبات التعاقدية فهي إرادية عقلية، وتقوم على الإكراه والإلزام لأنها هي التي تضمن سيرورة المجتمع وبقاءه. بل يرى الفيلسوف، أن هذه الواجبات هي التي يجب أن تتحكم وتعمل على توجيه الواجبات الفطرية، خصوصا تلك التي تتأسس على الأنانية والإفراط في الميل إلى الذات.

    إن المقارنة بين التمثلين السابقين، تجعلنا ننفتح عن معالجة إشكالية العلاقة بين الواجب والوعي الأخلاقي، وما إذا كان هذا الوعي نابعا من منطلق فطري أم من أساس مكتسب (؟!! )..
     

     

     

      2.  الوعي الأخلاقي
    يعتقد روسو أن الإنسان خير بطبعه، ومن ثم أمكن القول بأن الإنسان يملك وعيا فطريا بالعدالة والشعور بالواجب. فالوعي الأخلاقي، إذن، وعي فطري. وما ينجم عن هذا الوعي ليس بأحكام قائمة الذات، وإنما هي أحاسيس توجه الإنسان، وتجعله قادرا على تحديد السلوكيات التي سيتعامل وفقها مع الموضوعات الخارجية.

    وبما أن الإنسان، كذلك، اجتماعي بطبعه؛ فإن هذا ما يؤكد يملك أحاسيس فطرية خاصة بالنوع. يتبين، إذن، أن الإنسان ينبعث منه تركيب مزدوج ومركب من الوعي: وعي تتحدد فيه العلاقة مع الذات، والثاني تحدد فيه العلاقة بالآخرين، دون أن يعني ذلك أن هذا الوعي يحمل في ذاته معرفة قبلية عن الخير والشر، إلا أنه قادر على مساعدة الإنسان على التعرف عليهما حين يمثل أحدهما أو كلاهما أمامه. إن حب الخير هو وحده الشعور الفطري، وذلك ما يجعل الفرد ينزع إليه.

    وعكس ذلك، يرى فرويد، أن كل ما هو فطري يتجسد في الهو الذي يتسم بالتهور والاندفاع ولا يعير أي اهتمام للسيرورات الأخلاقية. ومن ثم فهو يريد أن تلبى الغرائز فورا دون مراعاة لأي اعتبار. هكذا نجد فرويد، يحدد الوعي الأخلاقي في وظيفة الأنا الأعلى. فهذا الأخير هو الذي يولد عند الإنسان الشعور بالذنب. علما بأن هذا الشعور يوجد لدى الإنسان قبل تشكل الأنا الأعلى إلا أنه يكون تجاه "سلطة خارجية". ومع نمو شخصية الفرد وتمثله لقيم المجتمع وعاداته نتيجة لفعل التربية وتأثير الكبار في سلوكه، يصبح الوازع الأخلاقي (الأنا الأعلى) سلطة نفسية داخلية، تحاسب الأنا/الذات التي تفعل كل ما في وسعها حتى لا تثير غضبه.

    إن المقارنة بين روسو وفرويد، تبين أن الأول يتجه إلى تأكيد فطرية الوعي الأخلاقي، في الوقت الذي يرى فيه الثاني أن الوازع الأخلاقي (الأنا الأعلى) ناجم عن تأثير المحيط الاجتماعي، وهذا الاختلاف يدفع بنا إذن إلى التساؤل : ما هي العلاقة الموجودة بين الواجب والمجتمع؟
     

     

      3.  الواجب والمجتمع

    يؤكد دوركايم  Durkheim  أن محاولة الإقدام على أي فعل، تجعل الفرد يسلك وفق إرادة صوت يناديه من دواخله، معلنا ما يجب فعله أو اجتنابه. وقد دفع الخيال بعض الشعوب إلى الاعتقاد بأن ذلك الصوت من إيعاز قوى غيبية خارقة، في الوقت الذي يجب فيه أن نؤكد بأن هذا الصوت ترجمة لسلطة المجتمع.

    فدوركايم يعتقد أن الظواهر الاجتماعية بمثابة أشياء، لا يمكن للفرد أن يتجاهلها دون أن يتعرض لضغطها وإكراهاتها... كما لا يجب أن ننسى أن العلاقات بين الناس تتأسس على "التضامن الآلي" الذي يؤكد أسبقية المجتمع على الفرد، وذلك ما يبين، أن المجتمع إطار أخلاقي يتأسس على التعاضد والتعاون، مما ينجم عنه ميلاد "وعي جمعي" يجسد أن للناس تمثلا مشتركا لوجودهم الاجتماعي.

    أما برغسون، فإنه يتفق مبدئيا على أن المجتمع هو الذي يرسم للفرد ممارساته اليومية. لكن الفيلسوف يتوقف ليطرح التساؤل التالي: ما هو المجتمع؟ ليميل نحو تحديده كنسق ينفتح عن الإنسانية. إن هذا من شأنه أن يدفع بالفرد إلى تمثل الواجب في شمولية الفعل الإنساني، ليصبح الواجب الأخلاقي متمثلا في احترام حق الغير في الحياة والتملك، ومن ثمة احترامه في إنسانية. هكذا يصبح الواجب كونيا غير محدد في زمان أو مكان. ولكي نتمثل أهمية ذلك يكفي أن نلاحظ كيف تنتهك إنسانية الإنسان وقت حدوث الحروب.

    كتخريج عام، يتضح أن مفهوم الواجب من المفاهيم الأخلاقية الأساسية التي يجب أن يتأملها الفرد ويحاول أن يحددها سواء بالنظر إلى علاقته بذاته، أو علاقته بغيره، خصوصا وأن القيم الإنسانية قد تتوزع بين ما هو محلي يعكس الخصوصية والهوية والانتماء، وبين ما هو كوني شمولي ومشترك بين كافة أفراد الإنسانية. ومن ثمة يجب على الفرد أن يتأمل كيف يمكن أن يمد الجسور بين الخصوصيات الذاتية، والخصوصيات المحلية، وبين أن كل هذا  يجسد ما هو مشترك بين الناس . ويتبين بالتالي أن السبيل نحو الذات يحمل في طياته الشعور بالواجب نحو الغير، والعكس صحيح.
     

    المصدر http://minbar.olympe.in

     

        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2

     

        الرجوع

  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق