• الحق والعدالة / 2

     

        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2

    مجزوءة السياسة /الحق والعدالة

      

    1 ـ  الحق بين الطبيعي والوضعي 

    2 ـ  العدالة كأساس للحق 

    3 ـ  العدالة بين الإنصاف والمساواة
     
      
     إن مفهومي الحق والعدالة مفهومين قد يتمظهران تارة بمعنى قانوني وحقوقي، وتارة أخرى بمعنى قيمي أخلاقي. كما أن معالجتهما الفلسفية، تستوجب استحضار المظهرين معا، خصوصا إذا علمنا أن سعي الناس إلى سن قوانين هو بغاية إحقاق الحق، وبالتالي ضمان نوع من الإنصاف والمساواة. ذلك ما يدفع بنا إلى طرح التساؤلات التالية: هل يقوم الحق على أساس فطري في الإنسان أم على أساس تعاقدي؟ هل العدالة حق أم أنها أساس لإقامته؟ إلى أي حد يمكن أن يضمن قيام العدالة الإنصاف والمساواة بين الناس؟
      

      1. الحق بين الطبيعي والوضعي

     
    يعتقد هوبز  Hobbes  أن الإنسان فطر على غياب الموانع أمام الذات، وبالتالي على وجود حق يقوم على الحرية المطلقة في أن يفعل الفرد ما يشاء. بل إنه حق يعطي الفرد القدرة على التحكم في أجساد الآخرين. فالإنسان ? في اعتقاد هوبز ? فطر على الأنانية والشر، وذلك ما يقود حتما إلى هيمنة حرب مطلقة (هي "حرب الكل ضد الكل"). وبما أن زمن الحرب لا يتحدد ضرورة في وقت نشوبها لأنه يمتدد إلى حالة التأهب والاستعداد لها ؛ فإن ذلك حتما سيحول بين الناس وبين التفكير والإبداع، ولن تكون هناك لا ملاحة ولا تجارة، ولن يسعى أحد إلى مراكمة الثروات لأن لا أحد يستطيع أن يضمن لنفسه البقاء، حيث لا يوجد فرد مطلق القوة يمكنه أن يفرض سلطته على الكل. إن هذا، ما سيدفع بالناس إلى الاحتكام إلى العقل، وبالتالي التفكير في السلم، حتى يضمن كل الحفاظ على ذاته. ومن ثمة سيتنازل الجميع عن حرياتهم الفردية مقابل أن يسود عليهم حاكم/أمير مستبد، ومن هذا المنطلق نجد الحق الطبيعي هو السائد ما دام الناس احتكموا إلى غريزة "حب البقاء" لتأسيس الدولة التي يحكمها رئيس لا يستطيع سوى أن يضمن شروط بقائه في الحكم حتى لا يرجع الناس إلى الوضع الطبيعي التي كان فيه "الإنسان ذئبا على أخيه الإنسان".

    ومعلوم أن تمثلات ج.ج روسو تختلف بدرجة كبيرة عما يراه هوبز، لأنه (=روسو) يعتقد أن الانتقال من حال الطبيعة إلى حال المدنية يعتبر مكسبا، لأن الإنسان استطاع أن ينتقل من حالة الاستعباد التي تجسدها الخضوع للشهوة إلى حالة الحرية التي تتمثل في الخضوع للقوانين التي ساهم الجميع في تشريعها. هكذا يرفض روسو قيام القوانين على "الحق الطبيعي". فهذا الحق يتأسس على القوة، وهذه الأخيرة لا تخلف الحق لأنهما من طبيعتين مختلفتين: فالقوة قدرة فيزيائية، والحق قيمة أخلاقية. ومن ثمة، فإن القوة لا يمكن أن تولد عند الإنسان الشعور بالواجب لأن الامتثال للقوة يقود إلى طاعة الأقوى (أو بتعبير آخر، إن الطاعة التي تتأسس على القوة تزول بزوال القوة). هكذا يمكن القول بأن روسو لا يتمثل الحق والعدالة إلا في مجتمع ديمقراطي يقوم على الحق الوضعي أي حق أساسه التعاقد الاجتماعي.

    إن التباين الذي يلاحظ بين الفيلسوفين السابقين يقود إلى طرح التساؤل التالي: ما هي طبيعة العلاقة الموجودة بين العدالة والحق؟ وإلى أي حد يمكن اعتبار العدالة أساسا للحق؟
     
      
     

      2. العدالة كأساس للحق
    يعتقد سبينوزا أن الحق لا يمكن أن يسود إلا في إطار نظام مطابق للعقل متجاوز للخضوع للشهوة، وذلك ما تجسده الديمقراطية باعتبارها النهج الذي بعمل فيه الحاكم على ضرورة المحافظة على البناء الاجتماعي. لهذا يجب أن تمتثل الرعية لأوامر الحاكم وللقوانين التي يسنها. إن القانون لا يوجد إلا من أجل المحافظة على الحرية وتأمين الحياة الفردية. لهذا يجب ألا يسعى إلى خرقه وينطبق ذلك أيضا على الحاكم على الرغم من قدره على ذلك. وذلك ما يؤكد، في نظر سبينوزا، وجوب الاستعداد الكامل لتنفيذ القوانين، على اعتبار أن العدالة تحتم تطبيقها دون تمييز بين الناس مهما اختلفت مراكزهم الاجتماعية.

    ويحاول ألان  Alain  بطريقته الخاصة،   أن ينفي وجود عدالة في ذاتها ولذاتها، لأن الحق يتمثل فيما تم الاعتراف به أنه كذلك، وأقره الناس عليهم. وهذا، ما يجعل الأمر القائم محتاجا إلى سند قانوني ولو أنه غير خاضع للإدانة: فقد بين ألان، أن المرء إذا سكن منزلا لمدة طويلة جدا، لا يستطيع أحد أن ينازعه فيه، لأنه أصبح أمرا قائما. ومع ذلك، لا يمكن أن يصبح هذا الوضع قانونيا إلا إذا استصدر الشخص حكما بثبوت الملكية وفق المتعارف عليه. وذلك ما يبين أن الفيلسوف يؤكد أن أساس العدالة يقوم على الاعتراف القانوني وإلا دخل الوضع القائم في مجال الحق الطبيعي الذي يتأسس على القوة.

    إن الأفكار التي تم طرحها حول علاقة العدالة بالحق تدعونا إلى التساؤل عن قدرة العدالة على تحقيق المساواة بين الناس وإنصافهم.                 
     
      
     

      3. العدالة بين الإنصاف والمساواة
    يرى أرسطو أن القوانين عادة ما تصاغ بطريقة فضفاضة وعمومية، يجعلها لا تنطبق إلا على الحالات المعروفة والاعتيادية، مما يؤكد أن بها ثغرات خصوصا أن حركية المجتمع تفترض أن تظهر مستجدات لا تنطبق عليها التشريعات بشكل واضح وتام، وذلك ما يبين أن الخطأ ليس هو خطأ المشرع ولا خطأ القانون. ومن هذا المنطلق، يرى أن المقارنة بين العادل والمنصف تزكي أفضلية هذا الأخير، لا لشيء إلا لأنه إنسان يجتهد ويعمل على تكييف القوانين. لهذا نجد الفيلسوف يحث على العمل المتواصل من أجل تصحيح القوانين من خلال استصدارها من سلطة تمثيلية.

    أما جون راولز J. Rawls، فإنه   فإنه يؤكد أن إقامة القوانين على أسس تعاقدية ديمقراطية، لا يمكن إلا تكون عادلة وتضمن المساواة على مستوى الحقوق. ومع ذلك فإنها لا تستطيع أن تحقيق نفس الغاية على المستوى الاجتماعي. فالمساواة القانونية لا تستطيع أن تلغي اللامساواة وبالتالي الفروق الاقتصادية والتراتبيات الاجتماعية. ومن ثم نجد المفكر يدعو إلى إقامة نوع من العدالة الاجتماعية، من خلال محاولة العمل على جعل الكل يستفيد من ثروات المجتمع، وذلك للحد من تأثير النجاحات التي تأسست على الفرص التي أتيحت للبعض دون الكل.

    كتخريج عام، يتبين أنه يصعب معالجة كل الإشكاليات المرتبطة بمفهومي الحق والعدالة، نظرا لأنهما لا يتحددان فقط في مجالي الأخلاق والقانون، وإنما يتجاوزان ذلك إلى المستويين الاجتماعي والاقتصادي. ومهما يكن من أمر، فإن ترسيخ الحق والعدالة يبدآن بتأمين الحقوق الأساسية لجميع مكونات المجتمع، وبالتالي اعتبار النقاش الفاعل مدخلا ضروريا لبناء الدولة تأسيا بالمناخ الديمقراطي الذي ساد في "الساحة العمومية"  Agora  اليونانية، لأن تعلم الأفراد كيفية الانتماء إلى مجتمعهم يبتدئ من محاولة إشراكهم في البناء، وإحساسهم بأن هناك من يهتم بآرائهم.    
     

    المصدر http://minbar.olympe.in

     

        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2

     

        الرجوع

  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق