• الشخص / 2

     

        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2     الدرس رقم 3     الدرس رقم 4     الدرس رقم 5     الدرس رقم 6     الدرس رقم 7

     

                                      مجزوءة الوضع البشري  /   الشخص

     

    تـقـديـم : رأينا في مستهل مجزوءة الإنسان، في السنة الأولى باكلوريا، إن الإنسان هو ذلك الكائن الذي هو في بحث مستمر في ذاته، و الذي ينبغي عليه في كل لحظة أن يفحص بدقة شروط وجوده ووضعه البشري. لأن الفحص النقدي و الدقيق للذات و الوضع البشري بشكل عام هو الذي يمنح الإنسان قيمته الحقيقة. و الحديث عن الوضع البشري يستهدف التأكيد على أن الإنسان ليس ماهية مجردة، غير مقيدة بزمان أو مكان ، بل هو كائن مرتبط بالمجال الذي يتحقق فيه و يتحمل فيه مسؤولية وجوده. ويعنى الوضع البشري في معناه الحصري، وضع الإنسان داخل المجتمع و مكانته في التراتبية الاجتماعية، كما يعني في معناه العام كل ما يميز وجود الإنسان، أي نمط وجوده في العالم. وقد سبق لبليز باسكال (1623-1662) أن ميزة بين ما يسميه الوضع الاجتماعي للإنسان الذي يرتبط بالمعطيات الاجتماعية التي تشرط وجوده. و بين ما يسمه بالوضع البشري، ويقصد به وضع الإنسان في العالم، باعتباره كانما يتحمل مسؤولية وجوده…. وهكذا يشير الوضع البشري الذي يتميز بتعقده و بتعدد محدداته (المحدد الذاتي- المحدد الموضوعي- المحدد التاريخي) و بتعدد أبعاده التي نميز فيها بين:

    - بعد الوجود الذاتي المحدد بالوعي و القدرة على تمثل الذات و تملكها من خلال التفكير، ويحيل هذا البعد على الشخص.

    - بعد الوجود العلائقي المتمثل في علاقة الذات مع الغير.

    - بعد تاريخي، على اعتبار أن الإنسان، كفرد و مجتمع، هو منتج للتاريخ مثلما هو نتاج للتاريخ…

    و يتميز الوضع البشري بطابعه الإشكالي، الذي يمكن التعبير عنه من خلال الأسئلة التالية: كيف يتحدد وجود الإنسان بوصفه شخصا؟ وما طبيعة علاقة الشخص بالغير؟ وما الدور الذي يلعبه الغير في تشكيل الأنا؟ وهل وجود الإنسان بوصفه شخصا محكوم بالضرورة أم هو قائم على الحريةالوضع البشري .

     

    مفهوم الشخص
     مدخل: يحيل مفهوم "الشخص" في التمثل اليومي المشترك على الكائن البشري (الإنسان) دون غيره من الكائنات الأخرى. فالشخص ليس حيوانا، كما أنه ليس موضوعا (شيئا). لذلك فالشخص يتوفر على هوية خاصة قد يستمدها من طبيعته العقلية، أو من إحساساته و أفعاله، أو من بعده الروحي الداخلي، أو إرادته في الحياة. كما أن الشخص له قيمه قد تظهر إما من طابعه الاجتماعي الذي يجعل منه عضوا اجتماعيا يعي أهمية الحياة الاجتماعية، كلما تمسك بحس العدالة وحب الخير، وإما من دوره كذات أخلاقية غايتها خدمة الإنسانية في شخصها، وفي شخص الآخرين. و إما من تحقيق الوعي بذاتها و حريتها و الانفتاح على الواقع،و على الآخرين، في إطار علاقة يحكمها التأثير و التأثر، و إما من خلال تجردها من الوجود الفردي المستقل ، و الدخول في مجال التعايش داخل المجموعة البشرية ، وانفتاحها على الكون وتقبل الآخر. و الشخص أيضا قد يظهر كنتاج لبعض الضرورات التي قد تشرط وجوده، و تفقده مقوماته كذات حرة و مريدة. إذن، وأمام هذا التنوع الواضح في تحديد المعنى الدلالي لمفهوم " الشخص " يمكننا الإفصاح عن الطبيعة الإشكالية لهذا المفهوم من خلال الانفتاح على كل القضايا و التساؤلات التي يطرحها.

      

      

    I - الشخص و الهوية:

    1) المفاهيم:

    الشخص : هو الإنسان بما هو ذات مفكرة وواعية، قادرة على التمييز بين الخير والشر، و الصدق و الكذب، وتحمل مسؤولية أفعالها و اختياراتها. 

    الهوية: هي الصفات الجوهرية التي تميز الشخص عن غيره، وتجعله هو نفسه مطابقا لذاته.

      

    2) الإطار الإشكالي: يتعرف كل شخص على ذاته و يدركها بوصفها " أنا " تميزه عن غيره و تكسبه ماهيته و هويته رغم ما يعتريه من تغيرات. لكن تحديد أساس هوية الشخص اختلف بشأنه الفلاسفة مما يدفعنا إلى صوغ الإشكال التالي: ما هو الأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص؟ هل هو الوعي المرتبط بالتفكير، والذي من خلاله تدرك الذات وجودها ( موقف ديكارت)، أم هو الوعي المرتبط بالإحساسات و الانطباعات التي تستمدها الذات من العالم الخارجي عن طريق الحواس (موقف جون لوك)، أم هو وعي ذو طبيعة روحية داخلية، لا تقبل النظر إلى الشخص كموضوع من موضوعات هذا الوجود ( موقف إيمانويل مونييه )، أم أن الهوية ليست وعيا بقدر ما هي تعبير عن إرادة الإنسان في الحياة، والتي يصبح العقل خادما لها، ويبحث لها عن مبررات منطقية ( موقف شوبنهاور).

      

    3) التصورات و المواقف:

    أ- التصور الديكارتي ( النزعة العقلانية) تصور عبر عنه ديكارت في مختلف مؤلفاته خاصة كتاب " التأملا ت "، و في هذا الصدد ذهب ديكارت إلى أن ما يشكل هوية الشخص أو جوهر الشخص، هو العقل أو ما يسمى بالوعي الذي يكشف عن وجود الشخص، و الذي يظهر من خلال جميع الأفعال التي يقوم بها الإنسان : الشك، الفهم، التصور، الإثبات، النفي، الإرادة، التخيل الإحساس ... هاته الأفعال التي يعتبرها ديكارت بمثابة أفعال تفكير، بواسطتها يتمكن الإنسان من إدراك أنه موجود كشخص، و ليس كموضوع خارجي، و كائن حيواني . و هذا الطرح الفلسفي تزكيه " حقيقة الأنا أفكر" أو ما يسمى ب " فكرة الكوجيطو" ( أنا أفكر إذن أنا موجود) التي من خلالها استطاع ديكارت إثبات وجوده الخاص اعتمادا على تجربة الشك المنهجي، والتي اعتبرها ديكارت أفضل السبل التي يجب على الإنسان أن يسلكها لكي يعرف أن ماهيته و هويته هي العقل كجوهر ثابت ، و متميز عن البدن. 

      

     قيمة التصور الديكارتي: تصور له قيمة فكرية و تاريخية، تتجلى في كونه أثر على فلاسفة عصر الأنوار، وتأثر به جموع من المفكرين الذين عرفوا باسم الفلاسفة العقلانيين: باروخ اسبينوزا من هولندا، نيكولا مالبرانش من فرنسا، والألماني غوت فريد ليبيز، كما أثر هذا التصور أيضا على ثقافة العصر الذي عاش فيه ديكارت، مشكلا بذلك ثورة ضد النظام الكنيسي الذي أحكم قبضته آنذاك على المجتمع الأوروبي.

     حدود التصور الديكارتي: تصور يبدو قاصرا في محاولته فهم حقيقة و هوية الشخص، لأن تركيز ديكارت على البعد العقلي الـتأملي كسبيل لإدراك حقيقة الشخص، جعله يغفل بعض الأبعاد الأخرى المتدخلة في بلورة حقيقة هذا الشخص كعنصر الإحساس و أهميته في فهم حقيقة الذات.

     

     

    ب) تصور جون لوك ( النزعة التجريبية). تصور جاء كرد فعل ضد ما ذهب إلية ديكارت، بحيث يرى جون لوك بأن ما يشكل هوية الشخص ليس هو الوعي كجوهر ثابت، و إنما وعي مرتبط بمختلف الإحساسات و الانطباعات التي يستمدها الإنسان من العالم المادي المحسوس عن طريق الحواس، لأن الإنسان كما يرى جون لوك يولد و عقله صفحة بيضاء، لا وجود لأفكار أو مبادئ فطرية فيه. لذلك فإن ما يشكل بنية هذا العقل من هذا المنظور التجريبي هو قبل كل شيء شعور و انطباعات حسية، قبل أن تكون تفكيرا أو وعيا. وهذا الشعور الذي يتحدث عنه جون لوك يتحول إلى ذاكرة عندما يتعلق الأمر بماضي الشخص.

     قيمة تصور جون لوك: تصور شكل ثورة ضد العقلانية الوثوقية التي ظلت تعتقد في وجود مبادئ فطرية تجعل العقل يحتوي على المعرفة بشكل سابق و جاهز. و بذلك أعادت النزعة التجريبية الاعتبار للإحساس و المادة كعنصرين مهمين في تشكيل بنية العقل البشري .

     حدود تصور جون لوك: تصور يرسم لنفسه حدودا تكشف عن قصوره في معالجة إشكالية الهوية الشخصية، لكونه يجعل مسألة انفتاح عقل الشخص على القضايا الخارجة عن نطاق الحس أو الطبيعة ( القضايا الميتافيزيقية) أمرا مستحيلا .

      

     ج)  تصور إيمانويل مونييه: ( النزعة الشخصانية). موقف يرفض من خلاله إيمانويل مونييه النظر إلى الشخص كموضوع أو كشيء من بين الأشياء لأن ذلك يحط من قيمة الإنسان، وفي المقابل يدعو مونييه إلى ضرورة اعتبار الشخص حقيقة داخلية، أو واقع روحي كلي و شمولي، يبرز حقيقة الشخص كذات واعية و مريدة ، قادرة على تحمل مسؤوليتها على مستوى أفعالها التي تخضعها لضوابط أخلاقية و قانونية. ولعل قول مونييه في هذا الإطار واضح عندما قال:" ليس الشخص موضوعا، بل إن الشخص هو ما لا يمكن أن يتمثل في إنسان بوصفه موضوعا".

      

    د) تصور شوبنهاور ( النزعة التشاؤمية). يرى شوبنهاور بأن هوية الشخص لا ترتبط بالعقل، بقدر ما ترتبط بإرادة الإنسان في الحياة. هذه الإرادة التي يعتبرها شوبنهاور الجوهر الأساسي في الإنسان و يعطيها الأولوية على العقل، لأن هذا الأخير مخلوق للإرادة كي يقوم بخدمتها و تنفيذ أوامرها و نواهيها، فالعقل ليس إلا خادما للإرادة، فنحن لا نريد الشيء لأن الفكر يبرر هذه الإرادة، و إنما نحن نخلق المبررات للشيء لأننا نريده. فالعقل دائما يبحث لأهواء الإرادة عن مبررات منطقية . لذلك نجد شوبنهاور ينتقد المواقف التي تربط بين الشعور و الهوية (النزعة التجريبية)، لأن هوية الشخص – في نظره – لا تتحدد بالشعور، وإنما بالإرادة، لأن هذه الأخيرة لا تتغير لأنها خاضعة للزمان وهو ما يجعل الفرد يتصرف دائما في ظروف بعينها تصرفا واحدا بعينه، أي أنه يتصرف دائما في هوية مع نفسه و لا يستطيع أن يتغير و يتبدل، فهو نفسه دائما و لا شيء غير ذلك، بمعنى أنه لا يستطيع أن يفعل غير ما يفعله، أما الشعور – حسب شوبنهاور – فهو يتجدد و يتغير بفعل الزمان، كما يمكن تعديله وتقويمه.

      

      

    II – الشخص بوصفه قيمة

    1- المفاهيم: 

    القيمة: هي الخاصية المميزة لشيء أو سلوك إنساني مرغوب فيه.

      

    2- الإطار الإشكالي: يتحدد الشخص في السياق الفلسفي باعتباره الفرد الذي تنسب له مسؤولية أفعاله الصادرة عنه، كما أنه يأخذ قيمة خاصة عندما ينظر إليه كذات واعية وحرة ومسؤولة، ذات كرامة، تعي ذاتها و قيمتها الأخلاقية، و من هنا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من أين يستمد الشخص قيمته هاته؟ هل من خلال اعتبار الشخص عضوا اجتماعيا حر، يثبت مواطنته الصالحة، عندما يمتلك حس العدالة و حب الخير(جون راولز) ، أم من كونه ذاتا لعقل عملي أخلاقي يجعل الشخص يحترم ذاته، و يلزم الآخرين بهذا الاحترام الذي يصبح متبادلا و قائما على المساواة (إيمانويل كانط)، أم أن قيمة الشخص يجب أن تكوم قيمة أخلاقية لا تتحقق إلا داخل حياة المجموع. وذلك عندما يعي الشخص ذاته و حريته، وينفتح على الواقع الذي ينتمي إليه و الدخول مع الجماعة في علاقة يسودها التأثير والتأثر، و الامتثال للواجب( فريدريك هيجل)، أم أن لا قيمة للشخص إلا في حدود ابتعاده عن مجال الوجود الفردي المستقل، ودخوله في مجال التعايش داخل المجموعة البشرية و انفتاح الذات الفردية على الكون وتقبل الآخر(غوسدورف).

      

    3- التصورات و المواقف:

    أ‌) موقف جون راولز: يرى راولز بأن قيمة الشخص لا يمكن أن تتحقق إلا في حدود انتماء الشخص إلى نظام اجتماعي يقوم على فكرة العدالة، التي تجعل من الأشخاص كائنات حرة، و متعاونة مع بعضها البعض. وهذا التعاون - في نظر راولز- لا يتحقق إلا إذا حاول كل شخص أن يعي أهمية الحياة الاجتماعية ، و يستوعب دوره في هذا الإطار ككائن يعول عليه بأن يكون عضوا اجتماعيا فاعلا، ومواطنا صالحا، يظهر حقيقته ككفاءة عقلية و أخلاقية تحترم الواجبات و الحقوق ، وتتمسك بحس العدالة الذي يجعلها تفهم فهما سليما أهمية الواجب، وتسعى دائما إلى حب الخير في كل ما له علاقة بالحياة الإنسانية، وذلك عندما تحترم التزاماتها، وتفهم ما لها و ما عليها.

      

    ب‌) تصور إيمانويل كانط: يذهب كانط إلى تأكيد أهمية الشخص كذات لعقل عملي أخلاقي ، يعامل الآخرين لا كوسائل يحقق من ورائها أغراضه الخاصة، وإنما كغايات في ذاتها. فالإنسان يتميز داخل نظام الطبيعة عن باقي الكائنات الأخرى بامتلاكه لملكة الفهم، و قد استطاع أن يرسم لذاته غايات و أهدافا مشروطة بنداء الواجب الذي مفاده " تصرف دائما على نحو تعامل معه الإنسانية في شخصك، كما شخص غيرك، كغاية و ليس مجرد وسيلة بتاتا". فالإنسان يمكنه أن يتخذ من الأشياء وسائل يستخدمها لتحقيق أغراضه، لكن ليس من حقه أن يعامل الأشخاص كوسائل ذاتية نفعية، لأن الإنسان أو الذات البشرية هي غاية في ذاتها وليست وسيلة لتحقيق أغراض الآخرين، وهذا ما يمنحه قيمة داخلية مطلقة ويكسبه احتراما لذاته هو واجب أخلاقه وكل ابتعاد عن هذا الواجب ينزل الإنسان إلى مستوى الأشياء أو الكائنات غير العاقلة.

      

    ج) تصور هيجل: تصور يكشف عن القيمة الأخلاقية للشخص التي لا يمكنها أن تتحقق إلا داخل حياة المجموع، فكل شخص حسب هيجل وانطلاقا من المكانة التي يحتلها داخل المجتمع الذي ينتمي إليه عليه الالتزام بواجباته والقيام بدوره والمهام التي أسندت إليه... إنها دعوة للانفتاح على الواقع والآخرين من خلال علاقة جدلية أساسها التأثير والتأثر، ومعيارها يكمن في السلوك الأخلاقي الذي يصدر عن كل شخص امتثالا للواجب الأخلاقي. فالشخص يكتسب قيمته الأخلاقية في نظر هيجل- عندما يعي ذاته وحريته وينفتح على الواقع الذي ينتمي إليه بالدخول مع الجماعة في علاقة تعاون متبادلة امتثالا للواجب.

      

    د ) تصور غوسدورف: يرى غوسدورف بأن معرفة الذات لا تتحقق بمجرد النظر إلى أنفسنا والتأمل فيها، إنها لا تتحقق إلا بواسطة العالم وفي العالم، لذلك يقيم غوسدورف تقابلا وتمييزا بين الفرد باعتبار هذا الأخير يعي ذاته ويدركها مستقلة عن باقي الذوات الأخرى، وبين الشخص الذي يكتمل مع الآخر، ويكتسب قيمة داخل الجماعة أي الشخص الأخلاقي الذي لا يرى كماله الوجودي في المجال الفردي المستقل، وإنما في مجال التعايش وداخل المجموعة البشرية، وانفتاح الذات عل الكون وتقبل الآخر.

      

      

    III – الشخص بين الضرورة والحرية.

    1- المفاهيم: 

    الضرورة: هي نقيض الحرية، و الضرورة معناها أن كل ما في الكون، بما في ذلك الإنسان، لابد أن يكون كما هو لا يخرج عن طبيعته التي جبل عليها، فالإنسان ليس إلا ما هو عنصر من هذا الكون و جزءا صغيرا من الطبيعة. والضرورة تشمل معنى الحتمية و الجبرية.

    الحرية: هي إشارة إلى قدرة الشخص على فعل شيء ما، أو الامتناع عنه، بعيد عن كل إكراه أو ضرورة كيفما كان مصدرها.

      

    2- تحديد الإشكالية: إذا كان الشخص يتحدد في السياق الفلسفي باعتباره الفرد الذي تنسب له مسؤولية أفعاله الصادرة عنه، فهل هذا يعني أن الشخص حر يتمتع بحرية مطلقة تمكنه من التمكن من أفعاله كما يشاء و كما يريد ( ديكارت+ كانط) أم أن الحديث عن الحرية هنا، هو مجرد حديث عن وهم يجعل الشخص يعتقد أنه حر، و يغفل الضرورات البيولوجية ، النفسية و الاجتماعية التي تتحكم فيه بشكل قسري و تنفي عنه كل مقومات الذات من إرادة و حرية و مسؤولية (سيغموند فرويد، سبينوزا..)، أم أن الشخص ليس حرية محددة ولا مطلقة بقدر ما هو عملية " تشخصن " (مونييه).

      

    3- المواقف و التصورات:

    أطروحات الحرية: مواقف ترى بأن الإنسان يتمتع بحرة مطلقة فيما يتصل بأفعاله. 

    ديكارت: يرى ديكارت بأن الإنسان كشخص كائن مفكر يرتبط وجوده كذات بالتفكير و ليس بالجسد، ما دام هذا التفكير من طبيعة روحية متعالية عن كل ما هو مادي حسي تجريبي، لذلك فالإنسان بوصفه كائنا عاقلا و مفكرا – من المنظور الديكارتي – له حرية مطلقة فيما يتصل بالأفعال الصادرة عنه، وقد تجعله يتجاوز كل العوامل التي قد تسعى إلى التحكم فيه شواء أكانت بيولوجية أو نفسية أو اجتماعية...

    كانط: تصور حاول من خلاله التوفيق بين الحرية و الضرورة في نظرته إلى الشخص، و يظهر ذلك من خلال تقسيم كانط للعالم إلى عالمين: عالم ظاهر أي عالم الأشياء المادية الخاضعة للزمان و المكان، وعالم باطن أي عالم الحقائق العقلية غير الخاضعة للزمان والمكان. ويذهب كانط إلى أن العالم الأول (العالم الظاهر) هو عالم الضرورة و التقيد، لأن العقل لا يدرك الأشياء أو الظواهر التي تقدمها التجربة له غلا داخل إطاري الزمان و المكان، أما العالم الثاني هو عالم الحرية المطلقة الذي يعكس حقيقتنا كأشخاص يمتنعون عن كل ضرورة لتعاليه عن الزمان و المكان، ويجعل منا كائنات حرة حرية مطلقة لا يمكن إثباتها عن طريق البرهان المنطقي، و إنما إثباتها كمسلمة لازمة للواجب الأخلاقي، وهذا ما يجعل موقف كانط لا يختلف عن موقف ديكارت. 

      

    أطروحات الضرورة: مواقف ترى بأن الإنسان يخضع لمجموعة من الضرورات أو الشروط الخارجة عن إرادته( نفسية، بيولوجية، اجتماعية...)

    أ‌- سيغموند فرويد: موقف عبر عنه فرويد في إطار " التحليل النفسي" و على ضوء " نظرية اللاشعور " ، بحيث يرى بأن اللاوعي أو اللاشعور هو الموجه الرسمي للوعي أو الشعور ، هذا الجانب اللاشعوري الذي يجعل من الشخص موضوعا منفعلا لا فاعلا، و ينفي عنه كل مقومات الإرادة و الحرية... لأن شخصية الإنسان من هذا المنظور هي بمثابة جهاز لا شعور تتصارع و تتفاعل بداخله ثلاثة قوى رئيسية بشكل معقد. يتعلق الأمر بالهو الذي يمثل الجانب الغريزي، الذي يولد به الشخص، والذي يتكون من ميولات أو رغبات نفسية أو جنسية، تبحث عن الإشباع، الذي قد يتعذر، لتتحول إلى عقد أو مكبوتات نتيجة الرقابة التي يفرضها الأنا على الهو. هذا الأنا الذي يمثل النسق الإدراكي في شخصية الإنسان، ويتولى مهمة التوفيق ما بين مطالب الهو و العالم الخارجي عن طريق مجموعة من الآليات الدفاعية أهمها: الكبت، الإرجاء، الإعلاء، التحويل، التعويض... و انطلاقا من الأنا اكتشف فرويد الأنا الأعلى الذي يمثل مختلف القيم الحضارية و الأخلاقية التي يرثها الطفل من المجتمع في مرحلة الطفولة.

    ب‌- اسبينوزا: يؤكد اسبينوزا بأنه لا وجود لحرية إنسانية تجعل من الشخص كائنا أسمى من الطبيعة، و ما شعورنا بالحرية إلا وهم ناشئ عن تخيلنا بأننا أحررا. وعن جهلنا بالأسباب الحقيقية الني تسيرنا، لأن الأشخاص حسب اسبينوزا بإمكانهم تحقيق الوعي بأفعالهم وشهواتهم، لكن ليس بمقدورهم الوعي بالأسباب التي تحرك هذه الأفعال والشهوات. لذلك يرى اسبينوزا بأنه من العبث الاعتقاد بوجود حرية في تصرف الأشخاص وتحركاتهم، لأن هذه التصرفات ما هي إلا نتاج لضرورات طبيعية ترتبط بميولات وغرائز في الإنسان، لا تحكم للإنسان فيها.

    ج- إيمانويل مونييه: ينفي مونييه أن يكون الشخص شيئا بين الأشياء، أو حزمة ميول سيكولوجية أو عوامل بيولوجية. وفي المقابل يؤكد مونييه على أن حقيقة الشخص لا يمكن أن تتحقق طالما ظل الشخص يسعى إلى تحقيق كماله الوجودي كذات مستقلة عن الآخرين، و منكفئة على نفسها لأن علاقته بالآخرين هي التي تكشف عن حقيقته ككائن يسعى إلى الاندماج الاجتماعي غير المشروط. وهذا التحرر هو ما يسميه مونييه بعملية "التشخصن" التي تعني هنا عملية تمكن الشخص من الانفتاح على المجتمع دون الذوبان الكامل فيه، أي الاحتفاظ بهويته الخاصة في حدود الخضوع للضوابط الاجتماعية التي تمليها فكرة الاندماج.

    المصدر http://chebba.hijaj.net

     

        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2     الدرس رقم 3     الدرس رقم 4     الدرس رقم 5     الدرس رقم 6     الدرس رقم 7

     

        الرجوع

  • تعليقات

    1
    عمر
    الأربعاء 12 نوفمبر 2014 في 16:05

    شكرًا بزاف على هذا المجهود القيم، من أحسن مواقع التعلم الذاتي!

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق