• الــــفــــن / 4

        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2     الدرس رقم 3     الدرس رقم 4

      

                                                     الــــفــــن

    ما هو الفن ؟

    1 - يتميز الفن عن الطبيعة: من حيث هو فعل أو إنتاج حر صادر عن إرادة حرة تتخذ من العقل أساسا لها، ومن ثم فهو ليس عملا غريزيا لانتماء هذا الأخير للطبيعة، والعمل الفني مسبوق بتمثل ما هو عليه عند علته على وجوده الواقعي وبدون استهداف لأي غرض نفعي.

      

    2 - يتميز الفن عن العلم : فالعمل الفني لا نملك مهارة صنعه حتى ولو كانت معرفتنا به معرفة تامة ومكتملة.

      

    3- يتميز الفن عن الحرفة : فالفن نشاط حر لا يبتغي أهدافا عملية نفعية ، في حين أن الحرفة نشاط ارتزاقي وانتفاعي ، ومن ثمة لا يستهدف الفن سوى تحقيق الإحساس بالمتعة والجمال المنزهين عن الحس والمنفعة ، كما أن الحرفة عمل إلزامي ومفروض على الإنسان لارتباطه بالاسترزاق.

      

    ما هي مقومات وأسس الحكم الجمالي الذي نصدره على عمل فني ما ؟ . . وما الذي يجعل عملا فنيا ما يحظى بإعجاب المشاهد ؟ . . أهي خصائص العمل الموضوعية ؟ ..أم يتعلق الأمر بموقف ذاتي نسميه الحكم الجمالي أو الذوقي ؟ . . وهل يتأسس الحكم الجمالي على إشباع حسي أو منفعة ؟ . . أم أن قيمة العمل الفني تتحدد في جماليته ، وفي اللذة التي نستشعرها حياله بدون أي اعتبار آخر؟ . .

     

    • أرسطو : يميز أرسطو في الأعمال المنتجة بين ضربين : تلك التي صدرت عن الطبيعة ، وتلك التي تمت صناعتها ، الأولى تمتلك مبدأ انبثاقها في ذاتها ( كالبذرة مثلا )، أما الأخرى فيوجد هذا المبدأ خارجها ( كالكرسي مثلا ) ، كما يميز أرسطو في هذه الأخيرة بين منتوجات أنتجت لتحقيق غايات نفعية ، وأخرى لم يكن القصد من ورائها الاستعمال أو المنفعة العملية ، وإنما خلق إحساس بالجمال ، وهذه هي المقصودة بالفن ، لذلك تسمى أعمالا فنية ، ولذلك كان الحكم الجمالي يستند على الإحساس بالرضا واللذة دون أي اعتبار للمنفعة أو الغريزة.

     

     

    • إيمانويل كانط

    • كانط : الحكم الجمالي حكم تأملي لا يكترث بالموضوع ، وإنما يربط طبيعة الموضوع بالإحساس باللذة والألم، وهو منزه عن أية منفعة حسية أو أخلاقية ، كما أنه ليس حكما معرفيا و لا يمكن التعبير عنه بواسطة مفاهيم ، لكن ذلك لا يعني أن الحكم الجمالي حكم ذاتي يتعلق بكل فرد على حدة ، لأنه حكم كوني نظرا لتوفر الناس كلهم على ما يسميه كانط ” الحس الجمالي المشترك ” ، ومن ثمة كان كونيا وملزما لجميع الناس.

      

      

    • بيير بورديو

    • بيير بورديو : إن أطروحة بورديو بخصوص مقومات الحكم الجمالي هي الوجه السلبي والمقلوب لتحليلات الجمال الكانطية ؛ فانطلاقا مما يسميه بورديو بالإستطيقا الشعبية ، حيث يمكن أن يلتقي العامل الباريسي بهيبياس السوفسطائي ، يرى أن عملا فنيا ما ( كصورة الجندي الميت في الحرب مثلا ) يمكن أن يكون إضافة إلى الإحساس بالألم ، مناسبة لإصدار حكم أخلاقي مثلا ( يستهجن الحرب وأهوالها ) ، أو قد تخبرنا الصورة عن واقع الحرب وويلاتها ، ومن ثم تفيدنا في تكوين معرفة يمكن التعبير عنها بواسطة مفاهيم ، كما أن الحكم الجمالي ليس كونيا وإنما هو متعلق بالأفراد أو الجماعات الاجتماعية المختلفة ، ومن هنا لا تنفصل الصورة عن الوظيفة التي تؤديها حسب هذا المشهد أو ذاك أو حسب هذه الفئة أو تلك من المشاهدين، لذلك فالحكم الجمالي حكم افتراضي ، والإستطيقا اللاكانطية تجعل من الفائدة الإخبارية أو الحسية أو الأخلاقية مبدأ للتقدير وإصدار الحكم.

      

    ما علاقة بالفن بالواقع ؟ . . أهو محاكاة وتقليد للواقع كما هو ؟ . . أم ابتعاد عنه وإعادة إنتاج له ؟ . . هل يقلد الفن الظاهر أم يقلد الحقيقة ؟ . . وما علاقة ظاهر الفن بظاهر العالم الخارجي ؟ . . وما الذي يميز الجمال الفني عن الجمال الطبيعي ؟ . .

     

     


    • أفلاطون : ما دام الفن محاكاة للطبيعة فهو محاكاة للظاهر وليس محاكاة للحقيقة ، أي محاكاة للنسخ والأشباح والخيالات الكاذبة والزائفة ، ومن ثم فهو في المرتبة الثالثة بالنسبة للحقيقة. إن الحقيقة لا يتم بلوغها إلا عن طريق العقل ، والفن ليس سبيلا لبلوغ هذه الحقيقة وإنما هو يبعدنا عنها ، ولذلك رفض أفلاطون أن يكون الفن مكونا من مكونات الجمهورية الفاضلة.

     

    • أرسطو : الفن محاكاة للطبيعة ، ويجب أن يكون كذلك ، وكلما كانت المحاكاة تامة وكاملة كلما أمكننا أن نتحدث عن ظفر وانتصار للفن ؛ كالفنان الذي رسم عناقيد عنب هي من المهارة حتى أن الحمام كان ينخدع بها ويأتي لكي ينقرها. إن المحاكاة غريزة في الإنسان بها يتعلم ويكتسب معارفه الأولية ، ثم لأن التعلم لذيذ. والفن يحاكي الواقع أو الطبيعة من حيث الموضوعات وبوسائل مختلفة ، إما عن طريق الصوت أو اللون أو الإيقاع أو الحركة، مجتمعة كلها أو متفرقة؛ وهكذا ، فالشعر مثلا ظهر كاستجابة لهذه الغريزة الإنسانية ، وهو محاكاة للطبيعة عن طريق الأوزان أو الإيقاعات ، وأول الناس الذين ارتجلوا كانوا هم من ابتكر الشعر ، فحاكى ذوو النفوس الخسيسة أفعال الأراذل من الناس فأنشأوا بذلك الأهاجي ، أما ذوو النفوس النبيلة فقد حاكوا أفعال العظماء من الناس ، فأنشأوا بذلك الأناشيد والأمداح.

      

    لكن ما الذي يهمني من هذا التمثيل أو المحاكاة ، أهو جمال الطائر المرسوم على اللوحة في ذاته أم جمال رسمه ؟ . . أو بعبارة أخرى ، هل يجوز أن ننعت بالجمال أشياء الطبيعة ؟ . . وهل ينبغي أن يوضع الجمال الفني في مرتبة واحدة مع الجمال الطبيعي ؟ . .

     

     


    هيجل : ليس الفن محاكاة للظاهر ؛ إذ أن ظاهر الفن يختلف عن ظاهر العالم الخارجي ؛ فظاهر الفن تعبير عن الروح وليس محاكاة ميكانيكية للعالم الخارجي، صحيح أن ظاهر الفن وهم ، لكن ظاهر العالم الخارجي وهم أكبر ظاهر الفن ، ثم إن الماهية أو الحقيقة ، وحتى لا تبقى تجريدا خالصا، هي في حاجة إلى أن تظهر ، ومن ثمة فالجمال الفني أسمى من الجمال الطبيعي، لأن الجمال الفني تعبير عن الروح ، وما كان صادرا عن الروح هو أسمى مما هو طبيعي، وبالتالي ، فإن هيجل يقول مع كانط ” ليس الفن تصويرا لشيء جميل ، وإنما هو تصوير جميل لشيء” . إن ما يهم في الفن هو جمال التشكيل والإبداع وليس الموضوع ، ومن هنا نفهم لماذا نجد أشكالا من الفن لا تحيل على الواقع مثل المعمار والموسيقى ، وتكون مصدرا للذة جمالية ، و لا يكون الجمال فيها نسخة مطابقة للواقع ، ومن ثمة أيضا ، فليس الفن محاكاة للواقع لأنه شيء ينضاف إلى الواقع و لا يحاكيه.

     

     

    فلاسفة الفن والجمال

    لكن ، كيف يكون العمل الفني ممكنا ؟ . . ومن تأتي للفنان هذه القدرة على إنجاز العمل الفني ؟ . . ولماذا يستطيع الفنان أن ينجز ما لا يستطيع إنجازه بعض الآخرين ؟ . . ولماذا لا ينجز جميع الفنانين أعمالا على قدر واحد من القيمة؟ . . هل تتأتى هذه القدرة من العبقرية التي ينعم بها بعض الناس دون غيرهم ؟ . . أم أن العمل الفني هو نتاج للجهد والكدح والمثابرة ؟ . . وهل يمكن القول بأن إنجاز عمل فني هو مسألة في متناول جميع الناس؟ . .

     

    • هيجل: إن الفن لدى هيجل تعبير عن حاجة طبيعية عامة لدى الإنسان تنبع من كونه واعيا مفكرا ، إلى جانب كونه شيئا من أشياء الطبيعة، وبذلك يختلف عن أشياء الطبيعة بهذا الوجود المزدوج. وهو كائن يحقق وعيه بذاته وبالعالم عبر لحظتين إحداهما نظرية والأخرى عملية، وذلك عبر تحقيق ذاته في كل ما يعطى له مباشرة ، وطبع العالم الخارجي بطابع داخلته .

     

    • كانط: لقد اعتبر كانط العبقرية مصدرا للإبداع ، واعتبرها موهبة أو ملكة فطرية ” تملي على الفن قواعده داخل الذات ” ، ومن ثمة فقواعد العمل الفني سابقة وليست لاحقة على إنجاز هذه العمل ، ولذلك لا يعرف الفنان ذاته من تأتيه تلك القدرة على إنجاز عمله ، ولا يستطيع أن يقوم بوصف علمي للكيفية التي تحقق بها إنتاجها ، كما لا يستطيع تبليغها للآخرين ، ومن هنا فالأصالة هي طبيعة هذه القدرة ، وهذا ينطبق على الفن وحده و لا ينطبق على العلم.
    • فريدريك فيلهيلم نيتشه

    • نيتشه: إن النشاط الذي يقوم به الفنان لا يبدو في عمقه مختلفا عن العمل الذي يمارسه المخترع في الميكانيكا والعالم الفلكي أو المؤرخ . . إلخ ، إن العبقري لا يفعل سوى أنه يبحث عن مواد أو عناصر ، ثم بعد ذلك يبني ويشيد ويركب ، أي يضفي عليها شكلا ، ونحن نتحدث عن العبقرية فقط عندما نتأثر بعمل فني في صورته النهائية ، وعندما لا يكون لدينا شعور بالغيرة ، غير أننا لو تتبعنا العمل الفني في مراحل تطوره وتبلوره لأصبنا ولشعرنا ببعض الفتور. إن فن التعبير يستبعد أي فكرة عن الصيرورة ويفرض نفسه علينا بصورة استبدادية ككمال حاضر. إن هذا العمل يخفي علينا ما بذل في إنجازه من جهد وعرق ، ومن انتقاء وترتيب وإقصاء ، إلى أن ظهر في صورته النهائية، ولو انتبهنا لكل ذلك لأزلنا صفة العبقرية عن الفنان ولاعتبرنا العمل الفني عملا في مكنة ومقدور أي إنسان.
        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2     الدرس رقم 3     الدرس رقم 4

     

        الرجوع

  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق