• تفاوت النمو بين الشمال والجنوب: المجال المتوسطي نموذجا //5

        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2     الدرس رقم 3     الدرس رقم 4     الدرس رقم 5

    تقديم إشكالي :
    يراد بالمجال المتوسطي مجموع الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط.ويتميز هذا المجال باختلاف مؤشرات ومستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين شماله وجنوبه.ومنذ إعلان برشلونة 1995م تحاول دول الضفة الشمالية تحقيق شراكة سياسية واقتصادية وثقافية مع دول الضفة الجنوبية (شراكة اورومتوسطية ).
    - فما هو موقع المجال المتوسطي واهم خصائصه الجغرافية ؟
    - وما هي مظاهر التفاوت في مستوى التنمية بين القسم الشمالي والجنوبي ؟
    - وما هو واقع التعاون الاورومتوسطي ودوره في ردم الهوة بين القسمين وآفاقه المستقبلية ؟

     

     

    I- المجال المتوسطي و خصائصه العامة:

    1- المجال المتوسطي وخصائص الموق:
    - يقع م.م بين خطي عرض 21° و48° شمالا وبين خطي طول 17° غربا و40° شرقا.ويضم دول شمال أفريقيا وبلدان جنوب أوربا ودول من غرب آسيا.ويتوسط هذا المجال قارات العالم،إذ تحده شمالا أوربا وجنوبا إفريقيا وشرقا آسيا وغربا المحيط الاطلنتي وأمريكا.ويتوفر على عدة ممرات بحرية إستراتيجية وهي مضيق جبل طارق ومضيق صقلية وقناة السويس ومضيقي الدردنيل والبوسفور.
    - بناء على معيار التنمية يمكن تقسيم المجال المتوسطي الى :
    *دول تنتمي الى بلدان الشمال : نميز فيها بدورها بين دول متقدمة رأسمالية (فرنسا + اليونان + ايطاليا + اسبانيا + البرتغال) ودول اشتراكية سابقا في مرحلة الانتقال نحو اقتصاد السوق( سلوفينيا + كرواتيا + البوسنة + صربيا + مونتينكرو + مقدونيا + ألبانيا).


    *دول تنتمي الى بلدان الجنوب : نميز فيها بدورها بين دول سائرة في طريق النمو (المغرب + تونس + مصر + لبنان + سوريا ) وبلدان نامية صاعدة (تركيا) وبلدان ذات اقتصاد ريعي أي مصدرة للنفط (ليبيا والجزائر).


    استنتاج : يحتل العالم المتوسطي موقعا استراتيجيا وحيويا بالنسبة للتجارة الدولية .كما يشكل منطقة اتصال واحتكاك بين شعوب وثقافات مختلفة ويجمع دول ذات مستويات تنمية متباينة.

      

      

    2- المميزات العامة للمجال المتوسطي طبيعيا وبشريا:
    أ-الخصائص الطبيعية :
    تتميز التضاريس بتنوعها مع غلبة التضاريس الجبلية والسهلية بالقسم الشمالي والتضاريس الصحراوية بالقسم الجنوبي.ويعرف المناخ نفس التنوع حيث نجد المناخ المتوسطي وشبه المتوسطي بالقرب من السواحل والمناخ المحيطي والقاري بالشمال بينما يسود المناخ الصحراوي بالقسم الجنوبي.
    ← عموما فان سيادة التضاريس الجبلية والصحراوية وسيادة المناخ شبه الجاف والجاف في اغلب المناطق هو الذي يفسر ضيق الرقعة الزراعية الصالحة للزراعة (27% بالقسم الشمالي و14.3% بالقسم الجنوبي ).


    ب-الخصائص البشرية:
    - تتصف المؤشرات الديغرافية في المجال المتوسطي باختلافها بين الشمال والجنوب .حيث يتميز القسم الشمالي بارتفاع الكثافة السكانية(105 ن/كلم²) وبالشيخوخة (15.3%) نظرا لانخفاض التزايد الطبيعي (0.31%) وارتفاع أمد الحياة (78سنة) بينما يتميز القسم الجنوبي بانخفاض الكثافة السكانية (38.5%) وبالفتوة نظرا لارتفاع التزايد الطبيعي (1.65%) وانخفاض أمد الحياة (71 سنة ).
    - يتسم توزيع السكان في المجال المتوسطي بعدم الانتظام حيث ترتفع الكثافة بالشمال والمناطق الساحلية وعلى طول الأنهار الكبرى وتنخفض بالمناطق الجبلية والصحراوية نظرا لقساوة الظروف الطبيعية.

      

      

    II - مظاهر عدم التكافؤ الاقتصادي داخل المجال المتوسطي:

    1-مظاهر تفاوت الإنتاج الاقتصادي وأسبابه:

    أ-المنتجات الفلاحية الأساسية :

    يتميز إنتاجها بالتفاوت حيث يحتكر القسم الشمالي الجزء الأكبر من إنتاج الحبوب (115 م طن مقابل 72.9 م طن) وتربية الماشية (157.6 م. ر مقابل 110.7 م.ر).ويرتبط ذلك بعوامل تقنية وطبيعية وتنظيمية.غير أن الملاحظ إن تربية الأغنام تكتسي أهمية بالقسم الجنوبي.أما تربية الخنازير فتكاد تنعدم به بسبب المعتقدات الدينية .كما أن إنتاج الحبوب يختلف من بلد الى آخر حيث تتصدر فرنسا بلدان القسم الشمالي بينما تتصدر تركيا بلدان القسم الجنوبي .لكن عموما تبقى فرنسا هي المنتج الأول داخل المجال المتوسطي.


    ب-النشاط الصناعي :

    يعد المجال المتوسطي غنيا بالمعادن ومصادر الطاقة ويتوفر على قاعدة صناعية قوية .غير أن هذا النشاط يتوزع بشكل غير متكافئ بين القسمين الشمالي والجنوبي.فعلى مستوى المعادن ومصادر الطاقة تتركز معظمها بالقسم الجنوبي (نفط،غاز طبيعي،فوسفاط،...) ويتم تصديرها نحو القسم الشمالي إما خاما أو بعد معالجة جزئية.أما على مستوى البنية الصناعية فيشهد القسم الشمالي تركزا لأهم الصناعات العالية التكنولوجية والصناعات التجهيزية.بينما يقتصر النشاط الصناعي بالقسم الجنوبي على بعض الصناعات الأساسية (حديدية وتكريرية) والتحويلية.ويرجع هذا التباين الى عوامل تاريخية (الثورة الصناعية في القرن 19م بأوربا) والى التقسيم الدولي للعمل حيث اختصت الدول المتقدمة بالصناعات العالية التكنولوجية المربحة والنظيفة وتخلت عن الصناعات الثقيلة والملوثة وذات دورة راس المال البطيئة.هذه العوامل هي التي تفسر ارتفاع قيمة الإنتاج الصناعي بالقسم الشمالي وانخفاضه بالقسم الجنوبي.

      

      

    2-مظاهر عدم التكافؤ على المستوى التجاري:
    تعرف تيارات التبادل التجاري بالمجال المتوسطي حالة عدم تكافؤ واضح بين قسميه الشمالي والجنوبي حيث تحتكر دول القسم الشمالي 55% من مجموع مبادلات القسم الجنوبي،بينما لا يحتكر القسم الجنوبي سوى 5% من مجموع مبادلات القسم الشمالي.ومرد ذلك الى اختلاف مستويات التنمية الاقتصادية بين القسمين والى كون الاتحاد الأوربي يعد الشريك الرئيسي لدول جنوب المتوسط .ويتجلى عدم التكافؤ كذلك في كون القسم الشمالي يصدر للقسم الجنوبي مواد صناعية مرتفعة القيمة (معدات ميكانيكية ،تجهيزات كهربائية،سيارات،...)ويستورد منه المحروقات والمعادن ومواد النسيج والمواد الفلاحية المنخفضة القيمة .ويترتب عن هذه البنية التجارية فائض في الميزان التجاري بالنسبة لدول الشمال وعجز تجاري بالنسبة لدول القسم الجنوبي (في المغرب سجل الميزان التجاري سنة 2005م عجزا قيمته 1.4 مليار $.بينما سجل في الجزائر فائضا قيمته 3.1 مليار $.).

      

      

    3-عدم تكافؤ الدخل وانعكاساته:

    أ- توزيع الدخل وتبايناته:
    تؤدي مظاهر الاختلاف بين الشمال والجنوب على المستوى الاقتصادي والتجاري الى نتائج عدة من أهمها :
    -التباين في قيمة الناتج الداخلي الخام،حيث يرتفع هذا الأخير في القسم الشمالي وينخفض في القسم الجنوبي.لكن الملاحظ هو وجود اختلافات داخل كل قسم.
    -التباين في قيمة متوسط الدخل الفردي حيث يرتفع بشكل كبير في بلدان القسم الشمالي وينخفض في بلدان القسم الجنوبي.ويرجع ذلك الى أهمية الناتج الداخلي الخام وقلة السكان في القسم الشمالي والعكس في القسم الجنوبي.

      

    ب- آثار تباين الدخل الاقتصادي على الأوضاع الاجتماعية:
    يترتب عن الاختلاف في الدخل بين الشمال والجنوب المتوسطي،اختلاف في الأوضاع الاجتماعية حيث يرتفع مؤشر التنمية البشرية بالقسم الشمالي وينخفض بالقسم الجنوبي وذلك بسبب تباين مؤشرات نسب التعليم والأمية والبطالة والفقر التأطير الطبي.

      

      

    II- مجالات التعاون الاورومتوسطي وحصيلته وآفاقه:

    1- مجالات التعاون الاورومتوسطي:
    -بدأ التعاون بين دول المجموعة الأوربية والبلدان المتوسطية منذ الستينات .وقد اقتصر هذا التعاون على الجانب الاقتصادي واتخذ شكل اتفاقيات للتعاون الاقتصادي والتجاري واتفاقيات للشراكة .ولكن منذ 1989م ومع هبوب رياح التغيير في المعسكر الشرقي وبروز الأهمية الإستراتيجية لحوض المتوسط ،بدأت دول أوربا تغير سياساتها اتجاه المنطقة وتفكر في توسيع مجال التعاون ليشمل ليس فقط التبادل والتعاون الاقتصادي بل كذلك التعاون السياسي والمالي والثقافي.
    - وهذه الأهداف هي التي شكلت أسس الشراكة الاورومتوسطي التي تم التنصيص عليها في إعلان برشلونة 1995م. وأما أهم مجالات التعاون الاورومتوسطي فنلخصها في النقط التالية :
    *التعاون السياسي والأمني : إحلال السلام والاستقرار السياسي + احترام حقوق الإنسان + تشجيع الديمقراطية ودولة القانون + محاربة الهجرة السرية والمخدرات.
    *التعاون الاقتصادي والمالي : تنمية المبادلات التجارية + مشروع إنشاء منطقة للتبادل الحر + مشروع الاندماج الاقتصادي الجهوي بين دول الجنوب المتوسطي + برنامج ميدا (1) و (2) programme Meda + منح القروض والاستثمارات عن طريق البنك الأوربي للاستثمار.
    *التعاون الثقافي والاجتماعي : تحقيق التقارب والتواصل بين المجتمعات المتوسطية + تنمية الموارد البشرية + تشجيع الحوار والتبادل الثقافي + تنمية التواصل بين منظمات المجتمع المدني + وضع برامج ثقافية مشتركة.

      

      

    2- حصيلة التعاون الاورومتوسطي وآفاقه:
    -الحصيلة :
    *عقد مجموعة من الاتفاقيات بين الاتحاد الأوربي وبلدان الجنوب متوسطي مثل اتفاقية الشراكة مع المغرب (1966م) والوحدة الجمركية مع تركيا (1995م)
    *وضع برنامج مالي أوربي Meda لتمويل مشاريع الشراكة الاورومتوسطي وهدفه القريب هو دعم التحولات الاقتصادية بدول الجنوب متوسطي ، وعلى المدى البعيد خلق منطقة للتبادل الحر..غير أن هذه الاستثمارات تبقى دون التطلعات حيث تأتي في المرتبة الثالثة بعد كل من دول الخليج العربي والولايات المتحدة وكندا.
    *أما بالنسبة للمبادلات التجارية البينية فتظل هزيلة (15% من مجموع المبادلات الخارجية) بسبب :
    •بطء الجهود المبذولة لتحقيق الاندماج التجاري
    •فشل عملية تحرير المبادلات التجارية في تسريع وثيرة النمو الاقتصادي في بلدان الجنوب المتوسطي بما في ذلك دخول الاستثمارات الخارجية.
    •التنافسية مع الأسواق الأوربية لم تساعد على تحسين جودة الإنتاج في الجنوب المتوسطي.
    •فشل الاندماج بين دول الجنوب المتوسطي.


    -التحديات والآفاق :
    *التحديات والمشاكل :

    الهجرة السرية + ضعف دخول الاستثمارات نحو دول الجنوب + انعكاسات توسع الاتحاد الأوربي + استمرار نهج الحنائية + الصراعات والأزمات السياسية بالمنطقة + الخلاف حول تخفيض الرسوم الجمركية لإقامة منطقة للتبادل الحر.


    *الآفاق :
    خلقت التحديات والمشاكل التي تواجه التعاون الاورومتوسطي نظرتين لمستقبل هذا التعاون :
    •نظرة متشائمة :ترى حصيلة التعاون الاورومتوسطي هزيلة وآفاقه غامضة وتجد مبرراتها في انشغال الاتحاد الأوربي بتنمية أعضائه الجدد + ضعف الاهتمام بدل الجنوب + سعي الأوربيين لتحقيق مصالحهم أكثر من اهتمامهم بتنمية الجنوب + التركيز على القضايا السياسية والأمنية .
    •نظرة متفائلة : تشيد بما تحقق في مجال التعاون الاورومتوسطي ولو كان بسيطا مثل تزايد نسبة التجارة والاستثمارات الأوربية .كما تدعو الى تعزيز التعاون مستقبلا بالإسراع بتحقيق الاندماج الجهوي بين دول الجنوب المتوسطي و تبني سياسة أوربية جديدة للحوار + تبني إصلاحات جذرية في دول الجنوب المتوسطي.

     


    الخاتمة :
    يعتبر المجال المتوسطي إذن نموذجا حيا لمظاهر التباين واللاتكافؤ بين دول الشمال ودول الجنوب رغم جهود التعاون المبذولة للتخفيف من حدة التباينات والاختلالات المجالية بين الجانبين .وذلك بسبب عدم نجاعة خطة التعاون الاورومتوسطي في الوقت الذي تعرف فيه محاولات الاندماج بين دول الجنوب عراقيل بسبب الخلافات المصطنعة بين القيادات السياسية.

        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2     الدرس رقم 3     الدرس رقم 4     الدرس رقم 5

     

        الرجوع




  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق