• الفلسفة في العصر المعاصر

    سجل الفكر الفلسفي في القر18 وما بعده, تحولا نوعيا, على يد إمانويل كانط. خصوصا ,بعد أن علا صوت الفلاسفة, مطالبين بانفصال العلوم عن الفلسفة . فانفصل علم الطبيعة , أو الفيزياء على يد جاليليو, ونيوتن, وعلم الكيمياء على يد لافوازييه ,كما استقل علم الأحياء على يد كلود برنار … وهكذا أصبحت الفلسفة ثكلى, فقدت كل أبنائها, بعد أن كانت هي أم العلوم . ولم يعد لها موضوعا , مستقلا , تبحث فيه .فنادى جون لوك , بدراسة العقل البشري , واهتم كل من دافيد هيوم, وبركلي , بدراسة الطبيعة البشرية . وهكذا انصرفت الفلسفة عن الميتافيزيقا , أو البحث عن العلل الأولى للوجود . واهتمت بدلا من ذلك , بدراسة الأفكار. فأصبحت مجرد إيديولوجيا , أي علما يدرس الأفكار ونشأتها وطريقة تكونها ومدى ترابطها… الشيء الذي دفع إمانويل كانط , إلى رفض المذهب التجريبي الأنجليزي , الذي ظهر على يد جون لوك, والمذهب اليقيني الرياضي الذي نادى به الديكارتيون, وفي نفس الوقت رفض الميتافيزيقا, باستثناء تلك التي تهتم أو تدرس القوانين الأولية للعقل في علاقتها بالأشياء. وأعطى الأولوية لإشكالية المعرفة محاولا إعادة بناء وتأسيس العقل, في ضوء التقدم العلمي , الذي عرفه عصر التنوير .

    لقد ميز كانط بين معرفة الظاهر ومعرفة الشيء في ذاته ,وانتهى إلى أن الإنسان بإمكانه أن يعرف, إلا أنه غير مؤهل لمعرفة المجال الغيبي .لأن العقل النظري ,عندما يبحث في الروح, الله ,البعث, بداية العالم , وفي الميتافيزيقا بصفة عامة يقع في التناقض والمغالطات .

    فالعقل البشري يستطيع أن يثبت وجودها, وفي نفس الوقت يثبت عدم وجودها وإنكارها , وبنفس القوة والحجج .لأن هذه الأفكار, رغم وجودها, فنحن لا نجد ما يؤكدها أو ينفيها

    يقول كانط : الأطر العقلية بدون حدوس حسية جوفاء .والحدوس الحسية بدون أطر عقلية عمياء

    أما هيجل , فقد عارض كانط , ورفض فصل ألذات عن الموضوع. أي ليس هناك ظاهر وباطن. أو ما هو عقلي, وما هو واقعي .كما يرى كانط . بل هناك الفكر المطلق فقط .القابل للتطور والتغير المستمر, عبر مراحل الدياليكتيك وهي :الموضوع أو القضية , ونقيض الموضوع ثم مركب الموضوع .

    , وبعد الثورة الفرنسية , وفشلها في تحقيق شعاراتها ,المتمثلة في الأخوة ,والمساواة ,والحرية .وبعد التقدم العلمي ,وما حققه من ثورة صناعية , لم تعد الفلسفة أداة للتفسير, بل أداة للتغيير .

      

    يقول كارل ماركس : ( لم يعمل الفلاسفة سوى أن فسروا العالم تفسيرات مختلفة ,في وقت كان عليهم أن يغيروا هذا العالم .)إن دور الفلسفة, في نظر الماركسيين بصفة عامة ,يكمن في حل المشاكل الإنسانية ,والعمل على فهم التاريخ ,والقوانين الرئيسية , التي تكمن وراء تطور البشرية, والمتمثلة في الصراع الطبقي ,الناتج عن العوامل الاقتصادية المادية .أما مع الوضعيين, وعلى رأسهم أوجست كونت ,فلم يعد للفلسفة التقليدية موضوعا تبحث فيه بعد أن انفصلت عنها كل العلوم .وأصبحت مهمتها تنحصر في الكشف عن العلاقات, والروابط التي يمكن أن تجمع و توحد, أو على الأقل تقرب بين مبادئ ونتائج العلوم

    أما في القرن العشرين, ونتيجة للتقدم الهائل , الذي لم يحلم به الإنسان في يوم ما, والمتمثل في تيسير سبل الحياة, ورفاهية العيش. إلى جانب الحروب, وما ينتج عنها, من تدمير للإنسان والبيئة , من خلال الاختراعات, المتمثلة في الأسلحة الكيماوية ,والجرثومية , والمخصبة بالأورانيوم ..(العراق وأفغانستان كنموذج).أمام هذا الوضع المأساوي,وجد التفكير الفلسفي نفسه مشلولا, غير قادر على تجاوز ثورة التيكنولوجيا وكفاءتها. ولا على الوقوف في وجه سلطة العلم, وتحدياته .الشيء الذي دفع رواد التيار البنيوي المعاصر(التوسر –ميشال فوكو –كلود لفي ستراوس -) إلى إعلان موت الفلسفة. يقول أحد المفكرين الفرنسيين المعاصرين: { … بموت التاريخ ,موت الفاعل ,موت الإنسان ,ووراء جميع أحكام الإعدام هذه, توجد فلسفة ,موت فلسفة ,باسم مناهج البحث في العلوم الإنسانية. } (ادوار موروسير ص . 159وباختصار فإن فلسفة القرن العشرين, حاولت أن تقرب الفلسفة من الإنسان,وتحصر مهمة الفيلسوف في إيجاد حل للمشاكل المصيرية التي يتخبط فيها بنوا البشر

    قاموس المصطلحات

    انفصال : استقلال

    الثكلى : الأم التي فقدت أبناءها

    العلل : المبادئ والأصول الأولى للوجود

    معرفة الظاهر : معرفة الفينومان أو ما يبدو من الشيء ونستطيع التعرف : عليه بواسطة الحواس

    الشيء في ذاته : النومين وهو باطن الشيء , كنه الشيء ,لا سبيل لنا لإدراكه :عن طريق الحواس,ولكن لنا فكرة ما عنه

    أطر عقلية : قوالب عقلية

    جوفاء : فارغة

    الياليكتيك : الجدل ,الحوار

     

     

        الرجوع

    تعليقك