• السعــادة / 2

     

        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2

     

    مجزوءة الأخلاق / السعــادة


    1 ـ  تمثلات السعــادة

    2 ـ  البحث عن السعادة

    3 ـ  السعادة والواجب
     
      
     تبدو السعادة في الظاهر مفهوما يتحدد في تحصيل الكماليات، لهذا يعتقد الناس أن الأغنياء هم بالضرورة أناس سعداء. وهذا ما يدفع ذوي النفوس الضعيفة إلى تحصيلها بأية وسيلة. كما أن المرضى يرون السعادة في الصحة، والذي يملكون الصحة يلهثون وراء شيء آخر. وباختصار، فإن عامة الناس لا يرون السعادة إلا فيما ينقصهم. إن هذا ما يدفع إلى إثارة التساؤلات التالية: هل السعادة قابلة للتمثل، وهل يمكن تحديدها في مدلول بعينه؟ هل السعادة ممكنة، وما السبيل إليها؟ هل تحصيل السعادة واجب؟
     
     
     

      1. تمثلات السعــادة

    يؤكد أرسطو أن السعادة ليست قدرة فطرية وإلا ملكها الكسالى والخاملون، ولكانت موجودة بالفطرة عند غير الإنسان. وقد يتمثل الناس السعادة في منافع مادية كالصحة والمال ..الخ، وذلك ما يفسر انسياق أفعال الناس نحو هذه الغايات. هكذا يتجه الفعل الإنساني نحو تحقيق غايات توجد خارج الفعل ذاته. ويعتقد أرسطو، على العكس، أن السعادة غاية في ذاتها ومن ثم يكون الفعل المؤدي إليها فعل من أجل ذاته، بهذه الطريقة وحدها يمكن للفعل أن يصبح مرادفا للفضيلة. لكن ليست كل الأفعال التي نأتيها لذاتها تجسد الفضيلة، وتقود إلى السعادة، فاللهو مثلا قد يكون لذاته، ولكنه لا يؤدي إلا الكسل والتهاون.. أما الحياة السعيدة فهي كد واجتهاد واقتصاد، وباختصار هي تلك يحياها الفرد وفقا للفضيلة.

    ونجد ألان  Alain  يؤكد بدوره أن الإنسان لا يجب أن يتوقع حدوث السعادة، بل يجب أن يعمل جاهدا لتحصيلها، وإذا تحققت الغاية التي من أجلها يكد الفرد استطاع أن يتيقن أنه يملك السعادة. فمن الخطإ، إذن، أن نعتقد أن السعادة مفهوم يظل جميلا ما دام مجردا، وأنها تزول بمجرد تحصيلها. إن السعادة لا تحصل بدون إكراهات ومعاناة، وكد وعمل دؤوب. فأسباب بلوغ السعادة تكون دائما مكروهة، لهذا تبدو السعادة في صورة جزاء ومكافأة.

    أما كانط فإنه يرى أن لا أحد يستطيع أن يحدد بدقة ما يريده من الحياة، والسبب يرجع إلى أن جميع مكونات السعادة مستمدة من عناصر تجريبية حسية.. ومع ذلك يرى الفيلسوف أن السعادة لا يمكن أن تكون في المال، أو الصحة، أو الثروة، لأنها كلها أمور يمكن أن تزول لحدوث عوارض. ومن هذا المنطلق، يؤكد كانط أن السعادة مثل أعلى  idéal  للخيال يحاول الإنسان بلوغه دون أن يتمكن من ذلك.

    إن التقابل الذي نلمسه بين التصورات السابقة يدفع بنا التساؤل : هل السعادة ممكنة؟ وكيف يمكن السعي إليها؟
     
       
     

      2. البحث عن السعادة

    يعتقد روسو أن الناس في بداية أمرهم كانوا يعيشون على الضروريات ويرضون بما يأخذونه من الطبيعة لتأمين بقائهم. ثم تعلم الإنسان أن الحياة تكون أكثر ارتياحا لما يتعايش مع الغير، فبدأ يحب الحياة الزوجية ويعشق الأبناء، فتعلم أن حب السعادة هي المحرك الحقيقي للفعل الإنساني. لكن ما أن اتجه إلى إنتاج الكماليات (التي كان الناس يجهلونها في الماضي) حتى فسدت حياته لأنه تحول إلى عبد لها.

    وذلك تحديدا ما ألح عليه أبيقور لما بين أن السعادة تحصيل للذة الجسمانية والنفسية، وأن السعادة هي أساس الحياة و غايتها. ولكن ذلك لا يعني أن نأتي اللذات بطريقة اعتباطية، بل إن الصبر والألم أفضل من تحصيل لذة لا يأتيها إلا الفساق. فمن يرضى بشظف العيش ويكتفي بضرورات الحياة وحده يستطيع أن يستمتع بما هو أحسن إن تمكن من تحصيله. ومن هذا المنطلق يتبن أن السعادة في نظر الفيلسوف تدل على تحصيل لذة تبعد الألم والاضطراب عن الجسم والنفس.

    أما سينيكا  Sénéque فيتفق  على أن السعادة هي الغاية التي يسعى إليها الجميع، والاختلاف بين الناس يتمثل في طرق السعي إليها. والمؤكد أنه كلما كانت الهرولة نحو السعادة أشد، كلما كان الابتعاد عنها أكبر. وقد يظن البعض أن أسهل سبيل إلى السعادة هو مجاراة الناس في أفعالهم ومحاكاة تصرفاتهم، لكن المؤكد أن لا أحد يضل دون أن يضل معه آخر. لهذا ينصح الفيلسوف بالابتعاد عن التقليد ومجاراة العامة، لأن السبيل إلى السعادة يكون في اتباع العقل، والاستقلال عن الغير..

    إذا كان بلوغ السعادة أمرا مرغوبا فيه، فهل يمكن اعتبارها أمرا واجبا؟
     


     

      3. السعادة والواجب
    يعتقد راسل  Russel  أن اتباع الموضة وإتيان الهوايات ليسا أساسا لبلوغ السعادة، وإنما وسيلة للهروب وتجسيدا لمحاولة نسيان الألم. فالسعادة لا تكون إلا من خلال الاهتمام بالناس والأشياء، بطريقة لا تسعى إلى التأثير فيهم أو استمالة إعجابهم، أو لامتلاك سلطة عليهم. كما لا يجب أن تقوم أفعالنا نحو الغير على أساس الواجب، لأن هذا الأخير مشروط في العمل وليس في حب الناس. فالحب التلقائي للناس هو مصدر لسعادة الذات وسعادة الغير.

    أما ألان  Alain  فيجزم على أن لا سعادة لمن لا يرغب فيها. لذا يتحتم على الإنسان ألا يستلم للعوائق. بل إنه من الواجب ألا يستسلم المرء دون مقاومة. وعلى كل واحد أن يدرك أن سعادة الذات واجب نحو الغير، فالناس لا يحبون أن يروا الشقاء يحيط بهم، ومن ثمة، فإن السعادة التي نحصلها لأنفسنا هدية نقدمها للغير. لذا يدعونا الفيلسوف إلى أن نجنب الناس شكاوينا وسرد همومنا، وأحزاننا عليهم.. ويؤكد الفيلسوف أنه لا يعلن الحروب إلا من لا يطيق أن يرى الناس سعداء.

    كتخريج عام، يتأكد أن مفهوم السعادة يحمل في ذاته معان سامية ونبيلة، وإن اختلف المفكرون في تمثلها. إلا أن المؤكد أن المرء لا تكتمل سعادته إلا إذا وجد من يتقاسم فرحه. كما أننا حينما نكون محاطين بأناس أشقياء يجعلنا ذلك غير قادرين على التعبير عن سعادتنا حتى لا نزيد من شقائهم. وهذا ما يبين، أن على الفرد أن يحاول المساهمة في إسعاد الناس حتى يستمتع بسعادته وسعادتهم. لأن النفوس الخبيثة وحدها تستمتع بآلام الآخرين.
     

     

     

        الدرس رقم 1     الدرس رقم 2

     

        الرجوع

  • تعليقات

    لا يوجد تعليقات

    Suivre le flux RSS des commentaires


    إظافة تعليق

    الإسم / المستخدم:

    البريدالإلكتروني (اختياري)

    موقعك (اختياري)

    تعليق